فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذهب بعض الأئمة إلى أن الطهور هو الطاهر حتى جوّز إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة مثل الخل، وردّ بأنه لو جاز إزالة النجاسة بها لجاز إزالة الحدث بها، وذهب بعض منهم إلى أن الطهور ما يتكرر به التطهير، كالصبور اسم لمن يتكرر منه الصبر، والشكور اسم لمن يتكرر منه الشكر، حتى جوّز الوضوء بالماء الذي يتوضأ به مرة بعد مرة وردَّ بأن فعولًا يأتي اسمًا للآلة كسحور لما يتسحر به كما مر فيجوز أن يكون طهور كذلك، ولو سلم اقتضاؤه التكرر فالمراد جمعًا بين الأدلة فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يجمعوا الماء في أسفارهم القليلة الماء، بل عدلوا عنه إلى التيمم ثبوت ذلك لجنس الماء أو في المحل الذي كان يمر عليه فإنه يطهر كل جزء منه.
{لنحيي به} أي: بالماء {بلدة ميتًا} أي: بالنبات وذكر ميتًا باعتبار المكان {ونسقيه} أي: بالماء وهو من أسقاه مزيد سقاه وهما لغتان قال ابن القطاع: سقيتك شرابًا وأسقيتك، والله تعالى أسقى عباده وأرضه {مما خلقنا أنعامًا} أي: إبلًا وبقرًا وغنمًا {وأناسي كثيرًا} جمع إنسان وأصله أناسين فأبدلت النون ياء وأدغمت فيها الياء أو جمع أنسي وقدم تعالى النبات؛ لأن به حياة الأنعام، والأنعام على الإنسان؛ لأن بها كمال حياته فإن قيل: لما خص الأنعام من بين ما خلق من الحيوان؟
أجيب: بأن الطير والوحش تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب بخلاف الأنعام ولأنها قنية الأناسي وعامة منافعهم متعلقة بها، فكان الإنعام عليهم بسقي أنعامهم كالإنعام بسقيهم.
فإن قيل: لما نكر الأنعام والأناسي ووصفها بالكثرة؟
أجيب: بأن جل الناس منيخون بالقرب من الأودية والأنهار ومنابع الماء فبهم غنية عن سقي السماء وأعقابهم، وهم كثير منهم لا يعيشون إلا بما ينزل الله من رحمته وسقيا سمائه، وكذلك قوله تعالى: {لنحيي به بلدة ميتًا} يريد به بعض بلاد هؤلاء المتبعدين عن مظان الماء، واختلف في عود الهاء في قوله تعالى: {ولقد صرفناه بينهم} على ثلاثة أوجه: أولها: قال الجمهور: إنها ترجع إلى المطر أي: صرفنا نزول الماء من وابل وطل وغير ذلك مرة ببلد ومرة ببلدة أخرى، قال ابن عباس: ما عام بأمطر من عام آخر، ولكن الله تعالى يصرفه في الأرض، وقرأ هذه الآية وهذا كما روي مرفوعًا «ما من ساعة من ليل أو نهار إلا والسماء تمطر فيها فيصرفه الله تعالى حيث يشاء»، وروي عن ابن مسعود يرفعه قال: «ليس من سنة بأمطر من أخرى ولكن الله تعالى قسم هذه الأرزاق فجعلها في السماء في هذا القطر ينزل منه كل سنة بكيل معلوم ووزن معلوم، وإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا جميعًا صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار»، وروي أن الملائكة يعرفون عدد المطر مقداره في كل عام لأنه لا يختلف ولكن تختلف فيه البلاد، ثانيها: قال أبو مسلم: الضمير راجع إلى المطر والسحاب والظلال، وسائر ما ذكره الله من الأدلة، ثالثها: صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب والصحف التي أنزلت على الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال المطر {ليذكروا} أي: ليتفكروا ويعملوا كمال القدرة وحق النعمة، ويقوموا بشكره.
تنبيه:
أصل يذكروا يتذكروا أدغمت التاء في الذال وقرأ حمزة والكسائي بسكون الذال ورفع الكاف مخففة، والباقون بفتح الذال والكاف مشددتين {فأبى} أي: لم يرد {أكثر الناس} أي: بعبادتهم {إلا كفورًا} أي: جحودًا للنعمة وقلة الاكتراث بها وكفرانهم هو أنهم إذا مطروا قالوا: مطرنا بنوء كذا وهو بفتح النون وهمزة آخره وقت النجم الفلاني على عادة العرب في إضافة المطر إلى الأنواء فيكره أن يقول ذلك لإيهامه أن النوء فاعل المطر حقيقة، فإن اعتقد أنه الفاعل له حقيقة كفر، روى زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: قال أصبح من عبادي من هو مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي وكافر بالكواكب»، وأفاد تعليق الحكم بالباء أنه لو قال: مطرنا في نوء كذا لم يكره، ونقل الشافعي عن بعض الصحابة أنه كان يقول عند المطر: مطرنا بنوء الفتح، ثم يقرأ: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها}.
{ولو شئنا لبعثنا} أي: بما لنا من العظمة ونفوذ الكلمة {في كل قرية نذيرًا} أي: رسولًا ينذرهم من البشر أو الملائكة أو غيرهم كما قسمنا المطر عليها وإنما قصرنا الأمر عليك وعظمناك به، وأجللناك وفضلناك على سائر الرسل.
{فلا تطع الكافرين} فيما قصدوا من التنفير عن الدعاء بما يبدونه من المقترحات أو يظهرون لك من المداهنة أو من القلق من صادع الإنذار ويخيلون لك أنك لو أقللت منه رجوا أن يوافقوك وقابل ذلك بالتشدد والتصبر {وجاهدهم} أي: بالدعاء {به} أي: القرآن الذي تقدم التحدث عنه في قوله تعالى: {ولقد صرفناه} أو بترك طاعتهم المدلول عليه بقوله تعالى: {فلا تطع} أو بالسيف والأقرب الأول؛ لأن السورة مكية، والأمر بالقتال ورد بعد الهجرة بزمان {جهادًا كبيرًا} أي: جامعًا لكل المجاهدات الظاهرة والباطنة؛ لأن في ذلك إقبال كثير من الناس إليك واجتماعهم عليك، فيقوى أمرك ويعظم خطبك وتضعف شوكتهم وتنكسر سورتهم، فإن مجاهدة السفهاء بالحجج أكبر من مجاهدة الأعداء بالسيف. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45)}.
أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} قال: بعد الفجر قبل أن تطلع الشمس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} الآية. قال: ألم تر إنك إذا صليت الفجر كان ما بين مطلع الشمس إلى مغربها ظلًا؟ ثم بعث الله عليه الشمس دليلًا فقبض الله الظل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} قال: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس {ولو شاء لجعله ساكنًا} قال: دائمًا {ثم جعلنا الشمس عليه دليلًا} يقول: طلوع الشمس {ثم قبضناه إلينا قبضًا يسيرًا} قال: سريعًا.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} قال: ظل الغداة قبل طلوع الشمس {ولو شاء لجعله ساكنًا} قال: لا تصيبه الشمس ولا يزول {ثم جعلنا الشمس عليه دليلًا} قال: تحويه {ثم قبضناه إلينا} فاحوينا الشمس إياه {قبضًا يسيرًا} قال: خفيفًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} قال: مده من المشرق إلى المغرب فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس {ولو شاء لجعله ساكنًا} قال: تركه كما هو ظلًا ممدودًا ما بين المشرق والمغرب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أيوب بن موسى {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} قال: الأرض كلها ظل. ما بين صلاة الغداة إلى طلوع الشمس {ثم قبضناه إلينا قبضًا يسيرًا} قال: قليلًا قليلًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن إبراهيم التيمي والضحاك وأبي مالك الغفاري في قوله: {كيف مد الظل} قالوا: الظل: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس {ثم جعلنا الشمس عليه دليلًا} قالوا: على الظل {ثم قبضناه إلينا قبضًا يسيرًا} يعني ما تقبض الشمس من الظل.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية {كيف مد الظل} قال: من حين يطلع الفجر إلى حين تطلع الشمس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {جعلنا الشمس عليه دليلًا} قال: يتبعه فيقبضه حيث كان.
وأما قوله تعالى: {وجعل النهار نشورًا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: إن النهار اثنتا عشرة ساعة، فأول الساعة ما بين طلوع الفجر إلى أن ترى شعاع الشمس، ثم الساعة الثانية إذا رأيت شعاع الشمس إلى أن يضيء الاشراق. عند ذلك لم يبق من قرونها شيء، وصفا لونها، فإذا كانت بقدر ما تريك عينك قيد رحمين فذلك أول الضحى، وذلك أول ساعة من ساعات الضحى، ثم من بعد ذلك الضحى ساعتين، ثم الساعة السادسة حين نصف النهار.
فإذا زالت الشمس عن نصف النهار فتلك ساعة صلاة الظهر، وهي التي قال الله {أقم الصلاة لدلوك الشمس} ثم من بعد ذلك العشي ساعتين، ثم الساعة العاشرة ميقات صلاة العصر وهي الآصال، ثم من بعد ذلك ساعتين إلى الليل.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وجعل النهار نشورًا} {وجعل النهار نشورا} قال: ينشر فيه.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة {وجعل النهار نشورًا} قال: لمعايشهم وحوائجهم وتصرفهم.
{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48)}.
أخرج عبد بن حميد عن عطاء أنه قرأ {وهو الذي أرسل الرياح} على الجمع بشرًا بالباء، ورفع الباء بنون فيهما خفيفة.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن مسروق أنه قرأ {الرياح نشرًا} بالنون، ونصب النون منونة ومخففة.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب في قوله: {وأنزلنا من السماء ماء طهورًا} قال: لا ينجسه شيء.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني عن سعيد بن المسيب قال: أنزل الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الماء لا ينجسه شيء. يطهر ولا يطهره شيء فإن الله قال: {وأنزلنا من السماء ماء طهورًا}.
وأخرج الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض، ولحوم الكلاب، والنتن. فقال: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن القاسم بن أبي بزة قال: سأل رجل عبد الله بن الزبير عن طين المطر قال: سألتني عن طهورين جميعًا قال الله تعالى {وأنزلنا من السماء ماء طهورًا} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا».
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {ولقد صرفناه بينهم} يعني المطر تسقى هذه الأرض وتمنع هذه {ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورًا} قال عكرمة: قال ابن عباس: قولهم مطرنا بالانواء. فأنزل الله في الواقعة {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [الواقعة: 82].
وأخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج عن مجاهد {ولقد صرفنا بينهم} قال: المطر. ينزله في الأرض ولا ينزله في أخرى {فأبى الناس إلا كفورًا} قولهم مطرنا بنوء كذا وبنوء كذا.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {ولقد صرفناه بينهم ليذكروا} قال: إن الله قسم هذا الرزق بين عباده، وصرفه بينهم. قال: وذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: ما كان عام قط أقل مطرًا من عام، ولكن الله يصرفه بين عباده. قال قتادة: فترزقه الأرض وتحرمه الأخرى.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: ما من عام بأقل مطرًا من عام، ولكن الله يصرفه حيث يشاء. ثم قرأ هذه الآية {ولقد صرفناه بينهم ليذكروا} الآية.
وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن مسعود. مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر مولى غفرة قال: كان جبريل في موضع الجنائز فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «يا جبريل إني أحب أن أعلم أمر السحاب. فقال جبريل: هذا ملك السحاب فسأله فقال: تأتينا صكاك مختتمة اسقوا بلاد كذا وكذا قطرة».
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في قوله: {ولقد صرفناه بينهم} قال: القرآن. ألا ترى إلى قوله: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا}؟
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وجاهدهم به} قال: بالقرآن.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وجاهدهم به جهادًا كبيرًا} قال: هو قوله: {واغلظ عليهم} [التوبة: 73] والله تعالى أعلم. اهـ.